فصل: المهيع الثالث في الأيمان التي يحلف بها الحكماء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.المهيع الثالث في الأيمان التي يحلف بها الحكماء:

وهم المعبر عنهم بالفلاسفة، جمع فيلسوف: ومعناه باليونانية محب الحكمة. وأصله فيلاسوف؛ ففيلا معناه محب، وسوف معناه الحكمة؛ وهم أصحاب الحكم الغريزية والأحكام السماوية، فمنهم من وقف عند هذا الحد، ومنهم من عرف الله تعالى وعبده بأدب النفس.
قال الشهرستاني: وهم على ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: البراهمة:
وهم لا يقرون بالنبوات أصلاً، ولا يقولون بها.
الصنف الثاني: حكماء العرب:
وهم شرذمة قليلة، وأكثر حكمتهم فلتات الطبع، وخطرات الفكر، وهؤلاء ربما قالوا بالنبوات.
الصنف الثالث: حكماء الروم:
وهم على ضربين:
الضرب الأول: القدماء منهم الذين هم أساطين الحكمة:
وهم سبعة حكماء: ثاليس الملطي، وانكساغورس، وانكسمانس، وانباديقلس، وفيثاغورس، وسقراط، وأفلاطون، ومذاهبهم مختلفة، وبعضهم عاصر بعض الأنبياء عليهم السلام، وتلقف منه، كانباديقلس: كان في زمن داود عليه السلام، ومضى إليه وتلقى عنه، واختلف إلى لقمان واقتبس منه الحكمة، وكذلك فيتاغورث: كان في زمن سليمان عليه السلام، وأخذ الحكمة من معدن النبوة.
الضرب الثاني: المتأخرون منهم وهم أصحاب أرسطاطاليس:
وهم ثلاث طوائف طائفة منهم تعرف بالمشائين: وهم الذين كانوا يمشون في ركابه يقرأون عليه الحكمة في الطريق وهو راكب. وطائفة تعرف بالرواقيين: وهم الذين كان يجلس لتعليمهم بالرواق. والطائفة الثالثة فلاسفة الإسلام: وهم حكماء العجم. أما قبل الإسلام فإنه لم ينقل عن العجم مقالة في الفلسفة، بل حكمهم كلها كانت مستفادة من النبوات: إما من الملة القديمة، وإما من غيرها من الملل. ومعتقدهم أن الله تعالى واجب الوجود لذاته، وأنه ليس بجوهر ولا عرض، وأن ما سواه صادر عنه على ترتيب، وأنه تعالى واحد فرد، ليس له شريك ولا نظير، باق أبدي سرمدي، وأنه الذي أوجد الأشياء وكونها، ويعبرون عنه بعلة العلل، وأنه قادر، يفعل إن شاء ولا يفعل إن لم يشأ، فاعل بالذات ليس له صفة زائدة على ذاته، مريد، له إرادة وعناية لا تزيد على ذاته، وأنه أول لا بداية له، آخر لا نهاية له، وأنه يستحيل أن يتغير، منزه عن أن يكون حادثاً أو عرضاً للحوادث، حي متصف بصفات البقاء السرمدية، وأنه حكيم بمعنى أنه جامع لكل كمال وجلال، وأنه خالق الأفلاك بقدرته، ومدبرها بحكمته، ويقولون: إن الأرض ثابتة لا تتحرك، والماء محيط بها من سائر جهاتها على ما اقتضته الحكمة الإلهية، وكشف بعض أعلاها بسكن الخلق فيه فهي كبطيخة ملقاة في بركة ماء، ويحيط بالماء الهواء، ويحيط بالهواء النار، ويحيط بالنار فلك القمر وهو الأول، ويحيط بفلك القمر فلك عطارد وهو الثاني، ويحيط بفلك عطارد فلك الزهرة وهو الثالث، ويحيط بفلك الزهرة فلك الشمس وهو الرابع، ويحيط بفلك الشمس فلك المريخ وهو الخامس، ويحيط بفلك المريخ فلك المشتري وهو السادس، ويحيط بفلك المشتري فلك زحل وهو السابع، ويحيط بفلك زحل فلك الكواكب وهو الثامن، وهو الذي فيه الكواكب الثابت بأسرها، وهي ما عدا الكواكب السبعة التي في الأفلاك السبعة المقدم ذكرها: من البروج الاثني عشر ومنازل القمر الثمانية والعشرين وغيرها. ويحيط بالكواكب الفلك الأطلس وهو الفلك التاسع؛ والأفلاك التسعة دائرة بما فيها من المشرق إلى المغرب، بحيث تقطع في اليوم والليلة دورة كاملة، والكواكب السبعة التي في الأفلاك السبعة الأولة، وهي: زحل، والمشتري، والمريخ، والشمس، والزهرة، وعطارد، والقمر، متحركة بالسير إلى جهات مخصوصة: الشمس والقمر يسيران بين المشرق والمغرب وبقية الكواكب يختلف سيرها استقامة ورجوعاً؛ والكواكب التي في الفلك الثامن ثابتة لا تتحرك؛ والله تعالى هو الذي يسير هذه الأفلاك والكواكب ويفيض القوى عليها.
ويقولون: إن الشمس إذا سخنت الأرض بواسطة الضوء صعد من الرطب منها بخار، ومن البارد اليابس دخان. ثم بعضه يخرج من مسام الأرض فيرتفع إلى الجو، وبعضه يحتبس في الأرض بوجود ما يمنعه من الخروج منها: من جبل ونحوه.
فأما ما يخرج من مسام الأرض، فإن كان من البخار، فما تصاعد منه في الهواء يكون منه المطر والثلج والبرد وقوس قزح والهالة؛ ثم ما ارتفع من الطبقة الحارة من الهواء إلى الباردة تكاثف بالبرد وانعقد غيماً، وإن كان ضعيفاً أثرت فيه حرارة الشمس فاستحال هواء، ومهما انتهى إلى الطبقة الباردة تكاثف وعاد وتقاطر وهو المطر. فإن أدركها برد قبل أن تجتمع، جمدت ونزلت كالقطن المندوف وهو الثلج، وإن لم تدركها برودة حتى اجتمعت قطرات من الجوانب أذهبت برودتها، انعقدت برداً؛ وإذا صار الهواء رطباً بالمطر مع أدنى صقالة، صار كالمرآة فيتولد من ضوء الشمس الواقع في قفاه قوس قزح، فإن كان قبل الزوال رؤي في المغرب، وإن كان بعد الزوال رؤي في المشرق، وإن كانت الشمس في وسط الشماء لم يمكن أن يرى إلا قوساً صغيراً إن اتفق. وفي معنى ذلك الهالة المحيطة بالقمر؛ إلا أن الهالة إنما تحصل من مجرد برودة الهواء وإن لم يكن مطراً.
وإن كان ما يخرج من مسام الأرض دخاناً: فإن تصاعد وارتفع في وسط البخار وضربه الريح في ارتفاعه، ثقل وانتكس فحركه الهواء فحصل الريح. وإن لم يضربه الريح، تصاعد إلى عنصر النار واشتعلت النار فيه فصار منه نار تشاهد، وربما استطال بحسب طول الدخان فيسمى كوكباً منقضاً. وإن كان الدخان كثيفاً واشتعل بالنار ولكنه لم يستحل على القرب، بل بفي زماناً، رؤي كأنه كوكب ذو ذنب. وإن بفي شيء من الدخان في تضاعيف الغيم وبرد، صار ريحاً في وسط الغيم فيتحرك فيه بشدة فيحصل منه صوت وهو الرعد، فإن قويت حركته اشتعل من حرارة الحركة الهواء والدخان فصار ناراً مضيئة وهو البرق. وإن كان المشتعل كثيفاً ثقيلاً محرقاً، اندفع بمصادفة الغيم إلى جهة الأرض وهي الصاعقة: {صنع الله الذي أتقن كل شيء}.
ويقرون أن الله تعالى مكون الأكوان، ومنمي المعادن والنبات والحيوان. فأما المعادن- فهي التي تتكون فيها جواهر الأرض: من الذهب والفضة وغيرهما. وذلك أن البخار والدخان في الأرض فإنها إن تجتمع وتمتزج، فإن غلب الدخان كان الحاصل منه مثل النوشادر والكبريت. وربما تغلب البخار في بعضه فيصير كالماء الصافي المنعقد المتحجر، فيكون منه الياقوت والبلور ونحوه مما لا يتطرق تحت المطارق. وإن استحكم امتزاج الدخان منه بالبخار وقلة الحرارة المحققة في جواهرها، انعقد منه الذهب والفضة والنحاس والرصاص ونحوها مما يتطرق بالمطرقة.
وأما النبات- فإنهم يقولون: إن العناصر قد يقع بها امتزاج واختلاط أتم من امتزاج البخار والدخان المقدم ذكره، وأحسن وأقرب إلى الاعتدال، فيحصل من ذلك النمو الذي لا يكون فيه الجمادات.
وينشأ عن ذلك ثلاثة أمور: أحدها- التغذية بقوة مغذية: وهي قوة محيلة للغذاء تنخلع عنها صورتها وتكسوها صورة المتغذي، فتنتشر في أجزائه وتلتصق به وتسد مسد ما تحلل من أجزائه.
وثانيها- التنمية بقوة منمية، بأن يزيد الجسم بالغذاء في أقطاره على التناسب اللائق بالنامي حتى ينتهي إلى منتهى ذلك الشيء.
وثالثها- التوليد بقوة مولدة: وهي التي تفصل جسماً من جسم شبيه به.
وأما الحيوان فإنهم يقولون إن تكونه من مزاج أقرب إلى الاعتدال وأحسن من الذي فبله، من حيث إن فيه قوة نباتية وزيادة قوتين، وهما المدركة والمتحركة؛ ومهما حصل من الإدراك انبعثت الشهوة والنزوع، وهو إما لطلب ما يحتاج إليه في طلب الملائم الذي به بقاء الشخص: كالغذاء، أو بقاء النوع: كالجماع، ويسمى قوة شهوانية، وإما للهرب ودفع المنافي، وهي قوة غضبية، فإن ضعفت القوة الشهوانية فهو الكراهة، وإن ضعفت القوة الغضبية فهو الخوف. والقوة المدركة تنقسم إلى باطنة: كالخيالية والمتوهمة والذاكرة والمفكرة، وإلى ظاهرة: كالسمع والبصر والذوق والشم واللمس، فاللمس قوة منبثة في جميع البشرة، تدرك الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والصلابة واللين والخشونة والملاسة والخفة والثقل. والشم في زائدتي الدماغ الشبيهتين بحلمتي الثدي. والسمع في عصبة في أقصى الصماخ، والذوق في عصبة مفروشة على ظاهر اللسان بواسطة الرطوبة العذبة التي لا طعم لها، المنبسطة على ظاهر اللسان. والإبصار يحصل عن انطباع مثل صورة المدرك في الرطوبة الجليدية التي تشبه البرد والجمد فإنها كالمرآة، فإذا قابلها يكون انطبع فيها مثل صورته فتحصل الرؤية.
ويرون أن النفس محلها العلو. ويقولون: إن النفس في أول الصبا تكون عالمة بالمعقولات المجردة والمعاني الكلية بالقوة، مما تصير بعد ذلك عالمة بالفعل.
ثم إن سعدت بالاستعداد للقبول، انقطعت حاجتها عن النظر إلى البدن ومقتضى الحواس؛ إلا أن البدن لا يزال يجاذبها ويشغلها ويمنعها من تمام الاتصال بالعلويات؛ فإذا انحط عنها شغل البدن بالموت ارتفع عنها الحجاب وزال المانع ودام الاتصال، وكمل حالها بعد فراق البدن، والتذت به لذة لا يدرك الوصف كنهها. وإن كانت النفس محجوبة عن هذه السعادة فقد شقيت.
وعندهم أنه إنما تحجب باتباع الشهوات، وقصر الهمة على مقتضى الطبع، وبإقامته في هذا العالم الخسيس الفاني، فترسخ في نفسه تلك العادة ويتأكد شوقه إليها، فتفوت بالموت آلة درك ذلك الشوق ويبقى التشوق وهو الألم العظيم الذي لا حد له، وذلك مانع من الوصال والاتصال. وهذه النفس ناقصة بفقد العلم، ملطخة باتباع الشهوات، بخلاف النفس السابقة.
ويقولون: إن الهيولى قابلة لتركيب الأجسام، ويخالفون أهل الطبيعة في قولهم: بإنكار المعاد وفناء الأرواح، فيذهبون إلى أن الأرواح باقية وأن المعاد حق.
ويرون أن التحسين والتقبيح راجعان إلى العقل دون الشرع، كما هو مذهب المعتزلة وغيرهم.
ويقولون: إن الإله تعالى فاعل بالذات ليس له صفة زائدة على ذاته، عالم بذاته وبسائر أنواع الموجودات وأجناسها، لا يعزب عن علمه شيء، وإنه يعلم الممكنات الحادثة.
ويقولون بإثبات النبوات لأن العالم لا ينتظم إلا بقانون متبوع بين كافة الناس يحكمون به بالعدل، وإلا تقاتلوا وهلك العالم، إذ النبي هو خليفة الله في أرضه، بواسطته تنتهي إلى الخلق الهداية إلى مصالح الدنيا والآخرة، من حيث إنه يتلقى عن الملك والملك يتلقى عن الله تعالى؛ إلا أنهم يقولون: إن النبوات غير متناهية وإنها مكتسبة ينالها العبد بالرياضات. وهاتان المقالتان من جملة ما كفروا به: بتجويز النبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخبر تعالى أنه خاتم النبيين، وقولهم إنها تنال بالكسب.
وقد حكى الصلاح الصفدي في شرح لأمية العجم أن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إنما قتل عمارة اليمني الشاعر، حين قام فيمن قام بإحياء الدولة الفاطمية بعد انقراضها، على ما تقدم ذكره في الكلام على ترتيب مملكة الديار المصرية في المقالة الثانية، مستنداً في ذلك إلى بيت نسب إليه من قصيدة، وهو قوله:
وكان مبدأ هذا الدين من رجل ** سعى فأصبح يدعى سيد الأمم

فجعل النبوة مكتسبة، وهم مجمعون على أن الله تعالى ليس بجسم ولا جسماني، وأنه ليس في جهة ولا داخل ولا يدخل تحت الحد والماهية.
وهذه نسخة يمين رتبها لهم في التعريف؛ وهي: إنني والله والله والله العظيم، الذي لا إله إلا هو، الواحد الأحد، الفرد الصمد، الأبدي، السرمدي، الأزلي، الذي لم يزل علة العلل، رب الأرباب، ومدبر الكل القدير القديم؛ الأول بلا بداية، المنزه عن أن يكون حادثاً أو عرضاً للحوادث، الحي الذي اتصف بصفات البقاء والسرمدية والكمال، والمتردي برداء الكبرياء والجلال، مدبر الأفلاك ومسير الشهب، مفيض القى على الكواكب، وباث الأرواح في الصور، مكون الكائنات، ومنمي الحيوان والمعدن والنبات، وإلا فلا رقيت روحي إلى مكانها، ولا اتصلت نفسي بعالمها، وبقيت في ظلم الجهالة وحجب الضلالة، وفارقت نفسي غير مرتسمة بالمعارف ولا مكملة بالعلم، وبقيت غفي عوز النقص وتحت إمرة الغي، وأخذت بنصيب من الشرك، وأنكرت المعاد، وقلت بفناء الأرواح، ورضيت في هذا بقالة أهل الطبيعة، ودمت في قيد المركبات، وشواغل الحس، ولم أدرك الحقائق على ما هي عليه، وإلا فقلت: إن الهيولى غير قابلة لتركيب الأجسام، وأنكرت المادة والصورة، وخرقت النواميس، وقلت: إن التحسين والتقبيح إلى غير العقل، وخلدت مع النفوس الشريرة، ولم أجد سبيلاً إلى النجاة، وقلت: إن الإله ليس فاعلاً بالذات، ولا عالماً بالكليات، ودنت بأن النبوات متناهية وأنها غير كسبية، وحدت عن طرائق الحكماء، ونقضت تقرير القدماء، وخالفت الفلاسفة، ووافقت على إفساد الصور للعبث، وحيزت الرب في جهة، وأثبت أنه جسم، وجعلته فيما يدخل تحت الحد والماهية، ورضيت بالتقليد في الألوهية.

.المهيع الرابع في بيان المحلوف عليه:

وما يقع على العموم وما يختص به كل واحد من أرباب الوظائف مما يناسب وظيفته اعلم أن المحلوف عليه في الأيمان الملوكية تارة يشترك فيه جميع من يحلف من أهل الدولة، وتارة يختلف باختلاف ما يمتاز به بعضهم عن بعض مما لا تقع الشركة بينهم فيه.
فأما ما يقع فيه الاشتراك، كطاعة السلطان وما في معناه: من إخلاص النية وإصفاء الطوية، وما يجري مجرى ذلك، فذلك مما يشترك فيه كل حالف يحلف للسلطان على اختلاف عقائدهم: من مسلم: سني أو بدعي، وكافر: يهودي أو نصراني، أو غيرهما. فكل أحد يحلف بما تقتضيه عقيدته في التعظيم، على ما تقدم بيانه في أيمان الطوائف كلها.
فإذا انتهى إلى المحلوف عليه، قال: إنني من وقتي هذا ومن ساعتي هذه وما مد الله في عمري قد أخلصت نيتي ولا أزال مجتهداً في إصفائها، في طاعة مولانا السلطان المالك الملك الفلاني فلان الدنيا والدين فلان، ابن السلطان السعيد الشهيد الملك فلان الدنيا والدين فلان خلد الله تعالى ملكه، وفي خدمته ومحبته ونصحه، وأكون ولياً لمن واله، عدواً لمن عاداه، سلماً لمن سالمه، حرباً لمن حاربه من سائر الناس أجمعين، لا أضمر له سوءاً ولا خديعة ولا خيانة، في نفس ولا مال ولا ملك ولا سلطنة ولا عساكر ولا جند ولا عربان ولا تركمان ولا أكراد ولا غير ذلك، ولا أسعى في تفريق كلمة أحد منهم عن طاعته الشريفة. وأنني والله العظيم أبل جهدي وطاقتي في طاعة مولانا السلطان الملك فلان الدنيا والدين المشار إليه، وإن كاتبني أحد من سائر الناس أجمعين بما فيه مضرة على ملكه لا أوافق على ذلك بقول ولا فعل ولا عمل ولا نية، وإن قدرت على إمساك الذي جاءني بالكتاب أمسكته وأحضرته لمولانا السلطان الملك فلان المشار إليه أو نائبه القريب مني.
وأما ما يقع فيه الاختلاف، فما يتباين الحال فيه باختصاص رب كل وظيفة بما لا يشاركه فيه الآخر. وقد أشار في التعريف إلى نبذة من ذلك فقال: وقد يزاد نواب القلاع ونقباؤها والوزراء وأرباب التصرف في الأموال والدوادارية وكتاب السر زيادات، يعني على ما تقدم.
فأما نواب القلاع ونقباؤها فيزداد في تحليفهم: وإنني أجمع رجال هذه القلعة على طاعة مولانا السلطان فلان وخدمته في حفظ هذه القلعة وحمايتها وتحصينها، والذب عنها، والجهاد دونها، والمدافعة عنها بكل طريق، وإنني أحفظ حواصلها وذخائرها وسلاح خاناتها على اختلاف ما فيها من الأقوات والأسلحة، وإنني لا أخرج شيئاً منها إلا في أوقات الحاجة والضرورة الداعية المتعين فيها تفريق الأقوات والسلاح، على قدر ما تدعو الحاجة إليه، وإنني أكون في ذلك كواحد من رجال هذه القلعة، وكل واحد ممن يتبعني كواحد ممن يتبع أتباع رجال هذه القلعة، لا أتخصص ولا أمكن من التخصيص، وإنني والله والله والله لا أفتح أبواب هذه القلعة إلا في الأوقات الجاري بها عادة فتح أبواب الحصون، وأغلقها في الوقت الجاري به العادة، ولا أفتحها إلا بشمس، ولا أغلقها إلا بشمس، وإنني أطالب الحراس والدراجة وأرباب النوب في هذه القلعة بما جرت به العوائد اللازمة لكل منهم مما في ذلك جميعه مصلحة مولانا السلطان فلان، وإنني لا أسلم هذه القلعة إلا لمولانا السلطان فلان، أو بمرسومه الشريف وأمارته الصحيحة وأوامره الصريحة، وإنني لا أستخدم في هذه القلعة إلا من فيه نفعها وأهلية الخدمة، لا أعمل في ذلك يغرض نفسي، ولا أرخص فيه لمن يعمل بغرض نفس له، وإنني أبذل في ذلك كله الجهد، وأشمر عن ساعد الجد، قال: ويسمي القلعة التي هو فيها.
وأما الوزراء وأرباب التصرف في الأموال فمما يزاد في تحليفهم: وإنني أحفظ أموال مولانا السلطان فلان- خلد الله ملكه- من التبذير والضياع، والخونة وتفريط أهل العجز، ولا أستخدم في ذلك ولا في شيء منه إلا أهل الكفاية والأمانة، ولا أضمن جهة من الجهات الديوانية إلا من الأمناء الأتقياء القادرين، أو ممن زاد زيادة ظاهرة وأقام عليه الضمان الثقات، ولا أؤخر مطالبة أحد بما يتعين عليه بوجه حق من حقوق الديوان المعمور والموجبات السلطانية على اختلافها. وإنني والله العظيم لا أرخص في تسجيل ولا قياس، ولا أسامح أحداً بموجب يجب عليه، ولا أخرج عن كل مصلحة تتعين لمولانا السلطان فلان ولدولته، ولا أخلي كل ديوان يرجع إلي أمره، ويعدق بي أمر مباشرته من تصفح لأحواله، واجتهاد في تثمير أمواله، وكف أيدي الخونة عنه، وغل أيديهم أن تصل إلى شيء منه، ولا أدع حاضراً ولا غائباً من أمور هذه المباشرة حتى أجد فيه، وأبذل الجهد الكلي في إجراء أموره على السداد وحسن الاعتماد، وإنني لا أستجد على المستقر إطلاقه ما لم يرسم لي به إلا ما كان فيه مصلحة ظاهرة لهذه الدولة القاهرة، ونفع بين لهذه الأيام الشريفة، وإنني والله أؤدي الأمانة في كل ما عدق بي وليت: من القبض والصرف، والولاية والعزل، والتأخير والتقديم، والتقليل والتكثير، وفي كل جليل وحقير، وقليل وكثير.
وأما الدوادارية وكتاب السر فيزاد فيهما: وإنني مهما اطلعت عليه من مصالح مولانا السلطان فلان- خلد الله ملكه- ونصائحه، وأمر داني ملكه ونازحه، أوصله إليه، وأعرضه عليه، ولا أخفيه شيئاً منه ولو كان علي، ولا أكتمه ولو خفت وصول ضرره إلي.
ويفرد الدوادار: بأني لا أؤدي عن مولانا السلطان رسالة في إطلاق مال، ولا استخدام مستخدم، ولا إقطاع إقطاع، ولا ترتيب مرتب، ولا تجديد مستجد، ولا شاد شاغر، ولا فصل منازعة، ولا كتابة توقيع ولا مرسوم، ولا كتاب، صغيراً كان أو كبيراً، إلا بعد عرضه على مولانا السلطان فلان ومشاورته، ومعاودة أمره الشريف ومراجعته.
ويفرد كاتب السر: بأنه مهما تأخرت قراءته من الكتب الواردة على مولانا السلطان فلان من البعيد والقريب، يعاوده فيه في وقت آخر، فإن لم يعاوده فيه بمجموع لفظه، لطوله الطول الممل، عاوده فيه بمعناه في الملخصات، وأنه لا يجاوبه بشيء لم ينص المرسوم الشريف فيه بنص خاص، وما لم تجر العادة بالنص فيه لا يجاوب فيه إلا بأكمل ما يرى أن فيه مصلحة مولانا السلطان فلان ومصلحة دولته بأسد جواب يقدر عليه، ويصل اجتهاده إليه، وأنه مهما أمكنه المراجعة فيه لمولانا السلطان فلان راجعه فيه وعمل بنص ما يرسم له به فيه. هذا ما انتهى إليه كلامه.
قال في التثقيف: ويزاد النواب مثل قوله: ولا أسعى في تفريق كلمة أحد منهم عن طاعته الشريفة، وعلي أن أبذل جهدي وطاقتي في ذلك كله وفي أحد حفظ المملكة التي استنابني فيها، وصيانتها وحمايتها، وما بها من القلاع والثغور والسواحل. ثم يأتي بعده: وإن كاتبني أحد إلخ.
قلت: والمراد أنه يؤتى باليمين العامة التي يحلف عليها كل أحد، ثم يزاد لكل واحد من أرباب الوظائف ما يناسبه مما تقدم، ثم يؤتى على بقية اليمين من عند قوله: وإنني أفي لمولانا السلطان بهذه اليمين، إلى آخرها أو ما في معنى ذلك من أيمان أهل البدع وأصحاب الملل على ما تقدم ذكره.
ثم قال في التثقيف: وقد تتجدد وقائع وأمور تحتاج إلى التحليف، بسببها تتغير صيغة المحلوف عليه بالنسبة إلى ما رسم به فيها. ثم أشار إلى أنه لم ير مدة مباشرته بديوان الإنشاء أحداً ممن ذكره في التعريف من أرباب الوظائف حلف، وإنما ذكرها لاحتمال أن تدعو الحاجة إليها في وقت من الأوقات، أو أنها كانت مستعملة في المتقدم، فيكون في تركها إهمال لبعض المصطلح.
قلت: وقد أهملا في: التعريف والتثقيف: ذكر يمينين مما رتبه الكتاب وحلفوا به في الزمن المتقدم مما لا غنى بالكاتب عنه.
الأولى- اليمين على الهدنة التي تنعقد بين ملكين أو نائبهما، أو ملك ونائب ملك آخر، على ما سيأتي ذكره في المقالة التاسعة، إن شاء الله تعالى.
وتقع اليمين فيها على ما فيه تأكيد عقد الهدنة والتزام شروطها والبقاء عليها وعدم الخروج عنها أو عن شيء من ملتزماتها، وغير ذلك مما يدخل به التطرق إلى النقض والتوصل إلى الفسخ.
وهذه نسخة يمين حلف عليها السلطان الملك المنصور قلاوون على الهدنة الواقعة بينه وبين الحكام بمملكة عكا وصيدا وعثليث وبلادها، من الفرنج الاستبارية، في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثمانين وستمائة، في مباشرة القاضي فتح الدين بن عبد الظاهر كتابة السر، على ما أورده ابن مكرم في تذكرته؛ وهي: أقول وأنا فلان: والله والله والله، وبالله وبالله وبالله، وتالله وتالله وتالله، والله العظيم، الطالب، الغالب، الضار، النافع، المدرك المهلك؛ عالم ما بدا وما خفي، عالم السر والعلانية، الرحمن الرحيم، وحق القرآن ومن أنزله ومن أنزل عليه، وهو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم؛ وما يقال فيه من سورة سورة، وآية آية، وحق شهر رمضان، إنني أفي بحفظ هذه الهدنة المباركة التي استقرت بيني وبين مملكة عكا والمقدمين بها على عكا وعثليث وصيدا وبلادها، التي تضمنتها هذه الهدنة، التي مدتها عشر سنين كوامل، وعشرة أشهر وعشرة أيام، وعشر ساعات، أولها يوم الخميس خامس ربيع الأول سنة اثنتين وثمانين وستمائة للهجرة من أولها إلى آخرها، وأحفظها وألتزم بجميع شروطها المشروحة فيها، وأجري الأمور على أحكامها إلى انقضاء مدتها، ولا أتأول فيها في شيء منها، ولا استفتي فيها طلباً لنقضها ما دام الحاكمون بمدينة عكا وصيدا وعثليث- وهم كافل المملكة بعكا، ومقدم بيت الروم، ومقدم بيت الاستبار، ونائب مقدم بيت الاستبار إلى الآن، ومن تولى بعدهم في كفالة مملكة، أو مقدم بيت بهذه المملكة المذكورة- وافين باليمين التي يحلفون عليها في ولدي الملك الصالح، ولأولاده، على استقرار هذه الهدنة المحررة الآن عاملين بها وبشروطها المشروحة فيها إلى انقضاء مدتها، ملتزمين أحكامها، وإن نكثت في هذه اليمين فيلزمني الحج إلى بيت الله الحرام بمكة حافياً حاسراً ثلاثين حجة، ويلزمني صوم الدهر كله إلا الأيام المنهي عنها.
ويذكر بقية شروط اليمين إلى آخرها، ثم يقول: والله على ما نقول وكيل.
وهذه نسخة يمين حلف عليها الفرنج المعاقدون على هذه الهدنة أيضاً في التاريخ المقدم ذكره على ما أورده ابن مكرم أيضاً؛ وهي:
والله والله والله، وبالله وبالله وبالله، وتالله وتالله وتالله، وحق المسيح وحق المسيح، وحق الصليب وحق الصليب، وحق الأقانيم الثلاثة من جوهر واحد المكنى بها عن الأب والابن وروح القدس إله واحد، وحق الصليب المكرم الحال في الناسوت، وحق الإنجيل المطهر وما فيه، وحق الأناجيل الأربعة التي نقلها متى ومرقس ولوقا ويوحنا، وحق صلواتهم وتقديساتهم، وحق التلامذة الاثني عشر، والاثنين وسبعين، والثلثمائة وثمانية عشر المجتمعين للبيعة، وحق الصوت الذي نزل من السماء على نهر الأردن فزجره، وحق الله منزل الإنجيل على عيسى بن مريم روح الله وكلمته، وحق السيدة مارية أم النور ومارية مريم ويوحنا المعمودي ومرتان ومرتماني، وحق الصوم الكبير، وحق ديني ومعبودي وما أعتقده من النصرانية، وما تلقيته عن الآباء والآقساء المعمودية- إنني من وقتي هذا وساعتي هذه، قد أخلصت نيتي، وأصفيت طويتي في الوفاء للسلطان الملك المنصور ولولده الملك الصالح ولأولادهما، بجميع ما تضمنته هذه الهدنة المباركة التي انعقد الصلح عليها، على مملكة عكا وصيدا وعثليث وبلادها الداخلة في هذه الهدنة، المسماة فيها، التي مدتها عشر سنين كوامل، وعشرة أشهر، وعشرة أيام، وعشر ساعات، أولها يوم الخميس ثالث حزيران سنة ألف وخمسمائة وأربع وتسعين للإسكندر بن فيلبس اليوناني، وأعمل بجميع شروطها شرطاً شرطاً، وألتزم الوفاء بكل فصل في هذه الهدنة المذكورة إلى انقضاء مدتها. وإنني والله والله وحق المسيح، وحق الصليب، وحق ديني لا أتعرض إلى بلاد السلطان وولده، ولا إلى من حوته وتحويه من سائر الناس أجمعين، ولا إلى من يتردد منهم إلى البلاد الداخلة في هذه الهدنة بأذية ولا ضرر في نفس ولا في مال. وإنني والله وحق ديني ومعبودي أسلك في المعاهدة والمهادنة والمصافاة والمصادقة وحفظ الرعية الإسلامية، المترددين في البلاد السلطانية، والصادرين منها وإليها- طريق المعاهدين المتصادقين الملتزمين كف الأذية والعدوان عن النفوس والموال، وألزم الوفاء بجميع شروط هذه الهدنة إلى انقضائها، ما دام الملك المنصور وافياً باليمين التي حلف بها على الهدنة، ولا أنقض هذه اليمين ولا شيئاً منها، ولا استثني فيها ولا في شيء منها طلباً لنقضها، ومتى خالفتها ونقضتها فأكون بريئاً من ديني واعتقادي ومعبودي، وأكون مخالفاً للكنيسة، ويكون علي الحج إلى القدس الشريف ثلاثين حجة حافياً حاسراً، ويكون علي فك ألف أسير مسلم من أسر الفرنج وإطلاقهم، وأكون بريئاً من اللاهوت الحال في الناسوت، واليمين يميني وأنا فلان، والنية فيها بأسرها نية الملك المنصور، ونية ولوده الملك الصالح، ونية مستحلفي لهما بها على الإنجيل الكريم، لا نية لي غيرها، والله والمسيح على ما نقول وكيل.
وكذلك كتبت اليمينان، من جهة السلطان الملك الظاهر بيبرس، ويمين صاحب بيروت وحصن الأكراد والمرقب من الفرنج الاستبارية في شهر رمضان سنة خمس وستين وستمائة.
قلت: ومقتضى ما ذكره ابن المكرم في إيراد هذه الأيمان أن نسخة اليمين تكون منفصلة عن نسخة الهدنة كما في غيرها من الأيمان التي يستحلف عليها، إلا أن مقتضى كلام مواد البيان: أن اليمين تكون متصلة بالهدنة. والذي يتجه أنه إن تيسر الحلف عقب الهدنة- لوجود المتحالفين- كتب في نفس الهدنة متصلاً بها، وإلا أفرد كل واحد من الجانبين بنسخة يمين، كما في غيرها من الأيمان. وربما جردت الهدنة عن الأيمان، كما وقع في الهدنة الجارية بين الظاهر بيبرس وبين دون حاكم الريدأرغون، صاحب برشلونة من بلاد الأندلس، في شهر رمضان سنة سبع وستين وستمائة على مقتضى ما أورده ابن المكرم في تذكرته.
واعلم أنه قد يكتفى باليمين عن الهدنة باليمين في عقد الصلح.
وقد ذكر القاضي تفي الدين ابن ناظر الجيش في التثقيف: أنه رتب يميناً حلف عليها الفرنج بالأبواب السلطانية بالديار المصرية عند عقد الصلح معهم، في سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة، فيها زيادات على ما ذكره المقر الشهابي بن فضل الله في التعريف؛ وهي:
والله والله والله العظيم، إله إبراهيم، مالك الكل، خالق ما يرى وما لا يرى، صانع كل شيء ومتقنه، الرب الذي لا يعبد سواه، وحق المسيح، وحق المسيح، وحق المسيح، وأمه السيدة مريم، وحق الصليب، وحق الصليب، وحق الصليب، وحق الإنجيل، وحق الإنجيل وحق الإنجيل، وحق الأب والابن وروح القدس إله واحد من جوهر واحد، وحق اللاهوت المكرم، الحال في الناسوت المعظم، وحق الأناجيل الأربعة التي نقلها متى ومرقس ولوقا ويوحنا، وحق اللاهوت والناسوت وصليب الصلبوت، وحق التلاميذ الاثني عشر، والاثنين وسبعين، والثلثمائة وثمانية عشر المجتمعين على البيعة، وحق الصوت الذي نزل على نهر الأردن فزجره، وحق السيدة مارية أم النور، وحق بيعة وقديس وثالوث، وما يقوله في صلاته كل معمداني، وحق ما أعتقده من دين النصرانية، والملة المسيحية- إنني أفعل كذا وكذا، ومتى خالفت هذه اليمين التي في عنقي، أو نقضتها أو نكثتها، أو سعيت في إبطالها بوجه من الوجوه، أو طريق من الطرق- برئت من المعمودية، وقلت: إن ماءها نجس، وإن القرابين رجس، وبرئت من مريحنا المعمدان، والأناجيل الأربعة، وقلت: إن متى كذوب، وإن مريم المجدلانية باطلة الدعوى في إخبارها عن السيد اليسوع المسيح، وقلت في السيدة مريم قول اليهود، ودنت بدينهم في الجحود، وبرئت من الثالوث، وجحدت الأب، وكذبت الابن، وكفرت بروح القدس، وخلعت دين النصرانية، ولزمت دين الحنيفية، ولطخت الهيكل بحيضة يهودية، ورفضت مريم، وقلت: إنها قرنت مع الأسخريوطي في جهنم، وأنكرت اتحاد اللاهوت والناسوت، وكذبت ممن مال على قسطنطين بن هيلاني، وتعمدت أمه بالعظائم، وخالفت المجامع التي اجتمعت عليها الأساقف برومية والقسطنطينية، وجحدت مذهب الملكانية، وسفهت رأي الرهبان، وأنكرت وقوع الصلب على السيد اليسوع، وكنت مع اليهود حين صلبوه، وحدت عن الحواريين، واستبحت دماء الديرانيين، وجذبت رداء الكبرياء عن البطريك، وخرجت عن طاعة الباب، وصمت يوم الفصح الأكبر، وقعدت عن أهل الشعانين، وأبيت عيد الصليب والغطاس، ولم أحفل بعيد السيدة، وأكلت لحم الجمل، ودنت بدين اليهود، وأبحت حرمة الطلاق، وهدمت بيدي كنيسة قمامة، وخنت المسيح في وديعته، وتزوجت في قرن بامرأتين، وقلت: إن المسيح كآدم خلقه الله من تراب، وكفرت بإحياء العيازرة، ومجيء الفارقليط الآخر، وبرئت من التلامذة الاثني عشر، وحرم علي الثلمائة وثمانية عشر، وكسرت الصلبان، ودست برجلي القربان، وبصقت في وجوه الرهبان عند قولهم: كير اليصون، واعتقدت أن نعسه كفر الجون، وأن يوسف النجار زنى بأم اليسوع وعهر، وعطلت الناقوس، وملت إلى ملة المجوس، وكسرت صليب الصلبوت، وطبخت به لحم الجمل، وأكلته في أول يوم من الصوم الكبير، تحت الهيكل بحضرة الآباء، وقلت في البنوة مقال نسطورس، ووجهت إلى الصخرة وجهي، وصديت عن الشرق المنير حيث كان المظهر الكريم، وإلا برئت من النورانيين والشعشعانيين، وأنكرت أن السيد اليسوع أحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص، وقلت: إنه مربوب، وإنه ما رؤي وهو مصلوب، وأنكرت أن القربان المقدس على المذبح ما صار لحم المسيح ودمه حقيقة، وأنكرت أن القربان المقدس على المذبح ما صار لحم المسيح ودمه حقيقة، وخرجت في النصرانية عن لا حب الطريقة، وإلا قلت بدين التوحيد، وتعبدت غير الأرباب، وقصدت بالمظانيات غير طريق الإخلاص، وقلت: إن المعاد غير روحاني، وإن بني المعمودية لا تسيح في فسيح السماء، وأثبت وجود الحور العين في المعاد، وأن في الدار الآخرة التلذذات الجسمانية، وخرجت خروج الشعرة من العجين من دين النصرانية، وأكون من ديني محروماً، وأقول: إن جرجيس لم يقتل مظلوماً، وخرقت غفارة الرب، وشاركت الشرير في سلب ثيابه، وأحدثت تحت صليبه، وتجمرت بخشبته، وصفعت الجاثليق. وهذه اليمين يميني وأنا فلان، والنية فيها بأسرها نية مولانا السلطان الملك الأشرف، ناصر الدنيا والدين شعبان ونية مستحلفي، والإله والمسيح على ما أقوله وكيل.
قلت: خلط في هذه اليمين بعض اليعاقبة الخارجة عن معتقد الفرنج الذين حلفهم من مذهب الملكانية؛ يظهر ذلك من النظر فيما تقدم من معتقدات النصرانية قبل ترتيب أيمانهم. على أنه قد أتى فيها بأكثر ما رتبه المقر الشهابي بن فضل الله في تحليفهم على صداقته، وزاد من اليمين المرتبة في التحليف على الهدنة السابقة وغيرها.
اليمين الثانية- مما أهمله في التعريف: يمين أمير مكة.
والقاعدة فيها أن يحلف على طاعة السلطان، والقيام في خدمة أمير الركب، والوصية بالحجاج، والاحتفاظ بهم.
وهذه نسخة يمين حلف بها الأمير نجم الدين أبو نمي أمير مكة المشرفة في الدولة المنصورية قلاوون الصالحي، في شعبان سنة إحدى وثمانين وستمائة.
ونسختها على ما ذكره ابن المكرم في تذكرته بعد استيفاء الأقسام: إني أخلصت نيتي، وأصفيت طويتي، وساويت بين باطني وظاهري في طاعة مولانا السلطان الملك المنصور، وولده السلطان الملك الصالح، وطاعة أولادهما وارثي ملكهما، لا أضمر لهم سوءاً ولا غدراً في نفس ولا ملك ولا سلطنة. وإنني عدو لمن عاداهم، صديق لمن صادقهم؛ حرب لمن حاربهم، سلم لمن سالمهم. وإنني لا يخرجني عن طاعتهما طاعة أحد غيرهما، ولا أتلفت في ذلك إلى جهة غير جهتهما، ولا أفعل أمراً مخالفاً لما استقر من هذا الأمر، ولا أشرك في تحكمهما علي ولا على مكة المشرفة وحرمها وموقف جبلها زيداً ولا عمراً. وإنني ألتزم ما اشترطته لمولانا السلطان ولولده في أمر الكسوة الشريفة المنصورية الواصلة من مصر المحروسة وتعليقها على الكعبة الشريفة في كل موسم، وأن لا يعلوها كسوة غيرها، وأن أقدم علمه المنصور على كل علم في كل موسم، وأن لا يتقدمه علم غيره، وإنني أسهل زيارة البيت الحرام أيام مواسم الحج وغيرها للزائرين والطائفين والبادين والعاكفين، والآمين لحرمه والحاجين والواقفين. وإنني أجتهد في حراستهم من كل عاد بفعله وقوله، ومتخطف للناس من حوله. وإنني أؤمنهم في سربهم، وأعذب لهم مناهل شربهم؛ وإنني والله أستمر بتفرد الخطبة والسكة بالاسم الشريف المنصوري، وأفعل في الخدمة فعل المخلص الولي، وإنني والله والله أمتثل مراسيمه امتثال النائب للمستنيب، وأكون لداعي أمره أول سامع مجيب. وإنني ألتزم بشروط هذه اليمين من أولها إلى آخرها لا أنقضها.